"الامام علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه-
لأي صفة يتسع هذا المقام إذا حاولت التعبير عن بعض صفات الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ! ألزهده وعدله ، أو لعقله وعلمه ، أو لشجاعته وكرمه ، أو لتواضعه وعفوه ، أو لتضحيته وخدماته ، أو لفصاحته وبلاغته ! .
وهل يحتاج الكاتب عن هذه الشخصية إلى الاستشهاد بقول مستشرق غربي ، أو مؤرخ شرقي ! . هل يحتاج إلى نقل الرواة ثقة عن ثقة ، ويبحث في سند الرواية ونصوصها ، ثم يجهد الفكر في الاستنباط والتاويل والتخريج ! . كلا ، ليس الكاتب بحاجة إلى شئ من هذا ، فلا مدعي ومنكر ، كي نلجأ إلى طرق الاثبات والاقناع ، ولا اجتهاد وتقليد ، كي يفحص المجتهد عن الدليل ، والمقلد عمن يوثق بقوله .
نشأ الامام في محيط يعبد الاصنام ، وما سجد لصنم ، وافتتح حياته بالجهاد ضد الشرك والالحاد ، والبغي والاستبداد ، بات على فراش النبي ( ص ) معرضا نفسه للقتل فداء للرسول الاعظم ، وقتل يوم بدر صناديد قريش ، منهم الوليد وحنظلة بن أبي سفيان والعاص بن سعيد ، وحقق الله علي يد الرسول ويده أول عز للاسلام والمسلمين ، وقتل يوم أحد جماعة من الاعداء ، منهم طلحة بن طلحة وبني عبدالدار أصحاب الراية ، وقتل في وقعة خيبر مرحبا بطل اليهود ، ويوم الخندق عمر بن ود الذي كان يقوم بألف رجل ، قاتل وقتل هؤلاء وغيرهم لا لسلطان ولا لمال ولا اخذا بثار ، قاتلهم بعد أن جحدوا إله العالمين ، واستعلوا على البائسين ، واستعبدوا المستضعفين ، قاتلهم بعد أن دعاهم إلى الحق فرفضوه ، فلم يرَ لهم دواء إلا السيف فأعمله في رقابهم ، وشفى صدور قوم مؤمنين ، وأذهب غيظ قلوبهم .
وقد اعتاد الناس أن يقولوا : أنت كريم لمن سرق ألفا ، وبذل منه واحدا، بل اعتادوا أن يلقبوه بالمحسن الكبير . إذن بأي لفظ نعبر عمن بذل حياته وجميع ما يملك للناس ، بقي الامام هو وزوجته بنت الرسول ، وولداه الحسنان ثلاثة أيام لا يذوقون شيئا ، حيث آثروا بطعامهم على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، وباع حديقة لا يملك غيرها باثنى عشر ألف درهم وزعها على المحتاجين ، ولم يبق لاهله درهما واحدا ، وهم أحوج من يكون إلى المال .
واعتاد الناس أن يقولوا للرئيس : أنت عادل ، وإن عاش في النعمة والترف، وشعبه في البؤس والشقاء ، إذن بأي لفظ نعبر عن الامام ، وقد أبى أن ينزل القصر الابيض في الكوفة ، وسكن في كوخ مع الفقراء ، وهو خليفة المسلمين، وامتنع عن أكل الطيبات ، لان في أطراف مملكته من لا عهد له بالشبع ، ولا طمع له بالقرص .
قال له العلاء الحارثي : يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم .
قال : ماله ؟
قال : لبس العباء?ة وتخلي عن الدنيا .
قال : علي به ، فلمّا جاء
قال : يا عدو نفسه ، لقد استهام بك الخبيث ، أما رحمت أهلك وولدك ، أترى الله أحل لك الطيبات ، وهو يكره أن تأخذها ! . أنت أهون على الله من ذلك . قال : يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك ، وجشوبة مأكلك . قال: ويحك، إني لست كأنت، إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس.
بهذا القياس ، بالشعب بالضعفاء والمساكين والفقراء قاس الامام ، وهو الحاكم المطلق ، نفسه وأخاه عقيلا وولديه حسنا وحسينا ، فلقد شمل عدله القريب والبعيد ، والعدو والصديق ، كما شمل الغيث المؤمن و الملحد ، بل شمل عدله الحيوان كما شمل الانسان، فكان يوصي من في يده إبل الصدقة أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها ، وأن لا يبالغ في حلبها خشية أن يضر ذلك بولدها ، وأن لا يركب ناقة ويدع غيرها ، بل يعدل بينها في الركوب ، وبين صواحباتها .
فيا للعدالة و المساواة تشمل الاحياء جميعا، مساواة بين أفراد الحيوان، فضلا عن أبناء الإنسان.
أما العفو فهو فوق العدل، وعفو الامام فوق كل عفو، قد يعفو الانسان عمن يسئ إليه بكلمة نابية، أو يعتدي على بعض ما يملك، أما الإمام فقد ظفر بـ ألدِّ أعدائه مروان بن الحكم وعمرو بن العاص فعفا عنهما، وكل واحد منهما أخطر عليه من جيش بخاصة ابن العاص، وحال جند معاوية بينه وبين الماء في صفين، وقالوا له: لن تذوق الماء حتى تموت عطشا، فأجلاهم عنه، وسقاهم منه، وأوصى بقاتله ابن ملجم خيرا، وقال لاهله: اعفوا هو أقرب للتقوى.
أما علمه فقد ملأت أقواله كتب اللغة بشتى فروعها ، وكتب الفلسفة والاخلاق والفقه بخاصة القضاء ، وهو أول رجل في الاسلام، وربما في العالم وضع العلماء كتبا مستقلة في قضائه، وقوله الفصل والحجة القاطعة في ذلك كله ، وبكلمة متى ثبت القول عن علي فلا يسأل عن قول سواه، لانه ينطق بلسان الرسول الاعظم الذي لا ينطق عن الهوى . وأجمع وأروع كلمة قيلت في وصف الامام هى كلمة صاحبه ضرار، حيث قال له معاوية: صف لي عليا، فقال:
كان بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحدته ، كان والله عزيز الدمعة ، طويل الفكرة ، يقلب كفيه، ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه ، ويبتدئنا إذا أتيناه، ونحن والله مع تقريبه لنا، ودنوه منا لا نكلمه لهيبته، ولا نبتدئه لعظمته، وإن تبسم فعن اللؤلؤ المنظوم ، لا يطمع القوى في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم[ أي الملدوغ من أفعى سامّة]، ويبكى بكاء الحزين ، فكأني الآن أسمعه ، وهو يقول :
"يا دنيا إليَّ تعرضت ، أم إليَّ تشوقت : هيهات هيهات غُرّي غيري ، لا حان حينك ، فقد طلقتك ثلاثا، لا رجعة لى فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطبك كبير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق".
وبالتالى فلا أريد مما قدمت أن أمهد لذكر فضائل الامام ومناقبه، وإنما غرضي الوحيد أن أبين أن الولاء للامام هو ولاء للانسانية والحق والعدالة، ولا استدل على دلك بنص ولا أصل ولا إجماع، وإنما أحيل من يطالبني بالدليل إلى سيرة الإمام وتاريخه، ثم يحكم بما يوحيه عقله وضميره بل أحيله إلى سيرة الأمويين مع الإمام، وسيعلم من حقدهم عليه، واغراقهم في بغضه مكانته من الحق، لأنهم أعداؤه الألدّاء، وخصومه الاشدّاء.
قيل لمعاوية: قد بلغت ما أملت، فلو كففت عن هذا الرجل، فقال: لا والله، حتى يربو عليها الصغير، ويهرم الكبير، هذا قول من وصف بالحلم الذى ورثه عن أمه هند ، فكيف بغير الحليم منهم ! . "
لأي صفة يتسع هذا المقام إذا حاولت التعبير عن بعض صفات الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ! ألزهده وعدله ، أو لعقله وعلمه ، أو لشجاعته وكرمه ، أو لتواضعه وعفوه ، أو لتضحيته وخدماته ، أو لفصاحته وبلاغته ! .
وهل يحتاج الكاتب عن هذه الشخصية إلى الاستشهاد بقول مستشرق غربي ، أو مؤرخ شرقي ! . هل يحتاج إلى نقل الرواة ثقة عن ثقة ، ويبحث في سند الرواية ونصوصها ، ثم يجهد الفكر في الاستنباط والتاويل والتخريج ! . كلا ، ليس الكاتب بحاجة إلى شئ من هذا ، فلا مدعي ومنكر ، كي نلجأ إلى طرق الاثبات والاقناع ، ولا اجتهاد وتقليد ، كي يفحص المجتهد عن الدليل ، والمقلد عمن يوثق بقوله .
نشأ الامام في محيط يعبد الاصنام ، وما سجد لصنم ، وافتتح حياته بالجهاد ضد الشرك والالحاد ، والبغي والاستبداد ، بات على فراش النبي ( ص ) معرضا نفسه للقتل فداء للرسول الاعظم ، وقتل يوم بدر صناديد قريش ، منهم الوليد وحنظلة بن أبي سفيان والعاص بن سعيد ، وحقق الله علي يد الرسول ويده أول عز للاسلام والمسلمين ، وقتل يوم أحد جماعة من الاعداء ، منهم طلحة بن طلحة وبني عبدالدار أصحاب الراية ، وقتل في وقعة خيبر مرحبا بطل اليهود ، ويوم الخندق عمر بن ود الذي كان يقوم بألف رجل ، قاتل وقتل هؤلاء وغيرهم لا لسلطان ولا لمال ولا اخذا بثار ، قاتلهم بعد أن جحدوا إله العالمين ، واستعلوا على البائسين ، واستعبدوا المستضعفين ، قاتلهم بعد أن دعاهم إلى الحق فرفضوه ، فلم يرَ لهم دواء إلا السيف فأعمله في رقابهم ، وشفى صدور قوم مؤمنين ، وأذهب غيظ قلوبهم .
وقد اعتاد الناس أن يقولوا : أنت كريم لمن سرق ألفا ، وبذل منه واحدا، بل اعتادوا أن يلقبوه بالمحسن الكبير . إذن بأي لفظ نعبر عمن بذل حياته وجميع ما يملك للناس ، بقي الامام هو وزوجته بنت الرسول ، وولداه الحسنان ثلاثة أيام لا يذوقون شيئا ، حيث آثروا بطعامهم على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، وباع حديقة لا يملك غيرها باثنى عشر ألف درهم وزعها على المحتاجين ، ولم يبق لاهله درهما واحدا ، وهم أحوج من يكون إلى المال .
واعتاد الناس أن يقولوا للرئيس : أنت عادل ، وإن عاش في النعمة والترف، وشعبه في البؤس والشقاء ، إذن بأي لفظ نعبر عن الامام ، وقد أبى أن ينزل القصر الابيض في الكوفة ، وسكن في كوخ مع الفقراء ، وهو خليفة المسلمين، وامتنع عن أكل الطيبات ، لان في أطراف مملكته من لا عهد له بالشبع ، ولا طمع له بالقرص .
قال له العلاء الحارثي : يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم .
قال : ماله ؟
قال : لبس العباء?ة وتخلي عن الدنيا .
قال : علي به ، فلمّا جاء
قال : يا عدو نفسه ، لقد استهام بك الخبيث ، أما رحمت أهلك وولدك ، أترى الله أحل لك الطيبات ، وهو يكره أن تأخذها ! . أنت أهون على الله من ذلك . قال : يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك ، وجشوبة مأكلك . قال: ويحك، إني لست كأنت، إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس.
بهذا القياس ، بالشعب بالضعفاء والمساكين والفقراء قاس الامام ، وهو الحاكم المطلق ، نفسه وأخاه عقيلا وولديه حسنا وحسينا ، فلقد شمل عدله القريب والبعيد ، والعدو والصديق ، كما شمل الغيث المؤمن و الملحد ، بل شمل عدله الحيوان كما شمل الانسان، فكان يوصي من في يده إبل الصدقة أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها ، وأن لا يبالغ في حلبها خشية أن يضر ذلك بولدها ، وأن لا يركب ناقة ويدع غيرها ، بل يعدل بينها في الركوب ، وبين صواحباتها .
فيا للعدالة و المساواة تشمل الاحياء جميعا، مساواة بين أفراد الحيوان، فضلا عن أبناء الإنسان.
أما العفو فهو فوق العدل، وعفو الامام فوق كل عفو، قد يعفو الانسان عمن يسئ إليه بكلمة نابية، أو يعتدي على بعض ما يملك، أما الإمام فقد ظفر بـ ألدِّ أعدائه مروان بن الحكم وعمرو بن العاص فعفا عنهما، وكل واحد منهما أخطر عليه من جيش بخاصة ابن العاص، وحال جند معاوية بينه وبين الماء في صفين، وقالوا له: لن تذوق الماء حتى تموت عطشا، فأجلاهم عنه، وسقاهم منه، وأوصى بقاتله ابن ملجم خيرا، وقال لاهله: اعفوا هو أقرب للتقوى.
أما علمه فقد ملأت أقواله كتب اللغة بشتى فروعها ، وكتب الفلسفة والاخلاق والفقه بخاصة القضاء ، وهو أول رجل في الاسلام، وربما في العالم وضع العلماء كتبا مستقلة في قضائه، وقوله الفصل والحجة القاطعة في ذلك كله ، وبكلمة متى ثبت القول عن علي فلا يسأل عن قول سواه، لانه ينطق بلسان الرسول الاعظم الذي لا ينطق عن الهوى . وأجمع وأروع كلمة قيلت في وصف الامام هى كلمة صاحبه ضرار، حيث قال له معاوية: صف لي عليا، فقال:
كان بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحدته ، كان والله عزيز الدمعة ، طويل الفكرة ، يقلب كفيه، ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه ، ويبتدئنا إذا أتيناه، ونحن والله مع تقريبه لنا، ودنوه منا لا نكلمه لهيبته، ولا نبتدئه لعظمته، وإن تبسم فعن اللؤلؤ المنظوم ، لا يطمع القوى في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم[ أي الملدوغ من أفعى سامّة]، ويبكى بكاء الحزين ، فكأني الآن أسمعه ، وهو يقول :
"يا دنيا إليَّ تعرضت ، أم إليَّ تشوقت : هيهات هيهات غُرّي غيري ، لا حان حينك ، فقد طلقتك ثلاثا، لا رجعة لى فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطبك كبير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق".
وبالتالى فلا أريد مما قدمت أن أمهد لذكر فضائل الامام ومناقبه، وإنما غرضي الوحيد أن أبين أن الولاء للامام هو ولاء للانسانية والحق والعدالة، ولا استدل على دلك بنص ولا أصل ولا إجماع، وإنما أحيل من يطالبني بالدليل إلى سيرة الإمام وتاريخه، ثم يحكم بما يوحيه عقله وضميره بل أحيله إلى سيرة الأمويين مع الإمام، وسيعلم من حقدهم عليه، واغراقهم في بغضه مكانته من الحق، لأنهم أعداؤه الألدّاء، وخصومه الاشدّاء.
قيل لمعاوية: قد بلغت ما أملت، فلو كففت عن هذا الرجل، فقال: لا والله، حتى يربو عليها الصغير، ويهرم الكبير، هذا قول من وصف بالحلم الذى ورثه عن أمه هند ، فكيف بغير الحليم منهم ! . "